قدرة التفكير "السلبي"
قدرة التفكير "السلبي"
تأليف: توني همفريز
ترجمة وتحقيق: فاطمة عصام صبري
الناشر: مكتبة العبيكان ط 1
عدد الصفحات 316 صفحة
ويتكون الكتاب من أحد عشر فصلاً.
الكتاب يعرض وجهة نظر جديدة في التفكير وتصرفات البشر السلبية، بحيث يجعل القارئ يرى التفكير السلبي بطريقة لم يعتد أن يراها فيها: سيفهمها بطريقة مختلفة، سيجعله قادر أن يفهم لما الإنسان عادة يلجأ لأن يتصرف بسلبية ؟!.. وعندما يتم الفهم يصل الإنسان إلى الحل..
بقراءتك للكتاب ستدرك ربما للمرة الأولى أن الصفات السلبية التي تحملها، أُوجدها جسمك من أجل أن يحميك: ابتكرها جسمك لأنك كنت بحاجة لها (عوملت بطريقة سيئة من شخص ما)
الكتاب لا يقدم فقط صورة جديدة لفهم التفكير السلبي، بل يقدم طريقة الحل أيضاً للتخلص من التفكير السلبي.. لقد أعدّ هذا الكتاب -كما يقول- المؤلف: ليأخذك في رحلة استكشاف لأشكال السلوك الإنساني الداخلية والخارجية المدهشة، التي تبتكرها نفسيتك في سبيل أن تقيك من الإهمال والرفض، وهي حماية عاطفية تماثل وسائل الوقاية التي نميتها لحماية حياتك الجسمية. وفي رحلة النفس تلك وهي تبتكر وسائل الوقاية: سوف تكتشف أن أساليب السلوك الوقائية تعمل في مستويات متفاوتة، جسمياً (الكرب والمرض)، شعورياً (ماذا تشعر وفيم تفكر وماذا تقول)، المستوى السابق للشعور (المشاعر العميقة والمواقف)، مستوى تحت الشعور (كبت التجارب الجارحة والخوف من الهجر). سترى أيضاً أن أكثر الإجراء حكمه في النفس وهو اللاشعور.. فعال باستمرار لفائدتك من أجل شفائك من صراعاتك الداخلية، وهو الذي يساعدك على التحرك نحو تحقيق أكبر لوجودك. وأكثر من ذلك سترى أن الأفكار والمواقف والتصرفات والأمراض، التي غالباً ما يطلق عليها "سلبية"، لها في الواقع الوظيفة الخلاقة المبدعة لوقايتك من التهديدات، التي تنال صلاح حياتك العاطفية والاجتماعية. وبدلاً من أن تحاول أن تترك فجأة أساليب السلوك التي يدعونها "سلبية" سوف تتشجع على الإمساك بزمامها، بينما يخلق أمان كاف لتعود مغامراً مرة ثانية. يؤكد هذا الكتاب بقوة على أنه ليس تغيير تفكيرك هو الأساس في التحول العاطفي والاجتماعي، بل الأساس هو التغير المباشر لما تشعر به نحو نفسك، ونحو الآخرين ونحو العالم، كيف لهذه العملية العاطفية أن تتم؟ يناقش ذلك في الفصول التالية:
الفصل الأول: يتناول فيه المؤلف المخاطر التي تتهدد حياة الإنسان العاطفية والاجتماعية ورفاهيتها.. فإن أول حاجة من حاجات الناس الآن، هي حاجتهم لأن يكونوا محبوبين ومقدرين حق قدرهم وأي تهديد لتلك الحاجة العاطفية والاجتماعية يطرح خطرا على الناس.. ويتساءل الكاتب أين تنشأ تلك التهديدات وما هي طبيعتها؟ ليجيب إنها تنشأ بشكل رئيسي في المؤسسات الاجتماعية الآتية: المنازل، والمدارس، والصفوف الدراسية، وفي المجتمعات وأماكن العمل.. فالمنزل هو أول وأهم نظام اجتماعي يؤثر في حياتنا بما فيها الرابطة الأثنية وإن طبيعة العلاقات ضمن هذين النظامين، تحدد مستوى وحدة عدم الأمان الذين يمكن أن يعاني منه الفرد.. ويذكر الكاتب الهدف الرئيس لهذا الكتاب، هو أن يبين كيفية إعادة بث الأمان عند البالغ كي ينطلق من مؤسسة آمنة مفتوحة، لا بتدار مجازفات عاطفية واجتماعية ومهنية وروحية، تمكنه من الانطلاق إلى ما وراء الجدران الوقائية..
أما الفصل الثاني: فيتناول الكاتب قوة التفكير السلبي ويتساءل قائلاً هل يحق القول بأنه ليس ثمة شيء يماثل التفكير السلبي؟ ويجيب لقد وضعت كتب عديدة عن قدرة التفكير الإيجابي وعن الطبيعة المؤذية الضارة للتفكير السلبي.. غير أن التفكير السلبي يؤدي هدفاً حكيماً جداً وهو وقاية أنفسنا من الألم والرفض.. لأن العقل يحمي القلب حيث نجد أن ما يسمى نموذج التفكير السلبي لا يشف فقط عن شكوك الشخص العاطفية في نفسه، بل فوق ذلك ينظم مساع لحمايته من الفشل الاجتماعي، وتسبب ضرورة وجود استراتيجية إدراكية معرفية، لحماية احترام النفس لذاتها تلقاء التهديدات الاجتماعية.. إن مثل هذه الطرق الوقائية في التفكير جعلت من الممكن الاستمرار في الحياة في عالم كان فيه الإهمال المشروط، أو المطلق جزءاً أساسياً لا يتجزأ من الحياة اليومية في طفولته..
الفصل الثالث: يناقش فيه الكاتب تعبير " التفكير الإيجابي" ويراها تسمية مغلوطة لأن التفكير مثل الطقس: ليس في حد ذاته حسناً أو سيئاً، لكن عندما يسقط الناس حاجاتهم ومآربهم ومشاعرهم على الطقس، يمكن أن يكون الطقس " حسناً " لشخص أو " سيئاً " لشخص آخر، كذلك الحال في التفكير.. إن الأفكار في حد ذاتها لها قدرة قليلة على التأثير في مشاعر الناس نحو أنفسهم ونحو الآخرين ونحو الحياة.. إن العواطف هي التي تشعرهم أنهم قادرون أقوياء فإن الكلمات " الإيجابية" من الآخرين ليس لها القدرة في حد ذاتها على التغيير إلا إذا تشربت بالعاطفة وجاءت مضمخة بالحب والإخلاص.. وهنا يفضل الكاتب تعبير التفكير المنفتح بدلاً من التفكير الإيجابي.. لأن التفكير المنفتح المستعمل للإفصاح عن المشاعر، هو شعاع نور يتصل بالنور الداخلي، الذي يشع في حبك لذاتك ومن مشاعر تقديرك لنفسك.
وفي الفصل الرابع: يناقش المؤلف قدرة المواقف " السلبية" والتفكير الشعوري والمواقف السابقة للشعور.. ويوضح الكاتب أن الشخص الذي يمارس التفكير الوقائي، ينم عن هشاشة في نفسه، والشخص الذي يمارس التفكير المنفتح، يعكس الثقة والكفاية في نفسه، لكن سواء في التفكير المنفتح أو الوقائي، تحدد نماذج هذين التفكيرين، مواقف عميقة سابقة للشعور.
الفصل الخامس: جاء تحت عنوان قدرة المشاعر " السلبية" ويرى الكاتب أن المشاعر شأن الأفكار والكلمات، كثيراً ما يطلق عليها صفة " حسنة" أو " سيئة "، و " إيجابية" أو " سلبية" ويذكر نماذج من المشاعر الإيجابية " مثل الحب" و " الدفيء" و " الثقة" و " التفاؤل" و " الفرح" على أنها إيجابية. وإلى مشاعر مثل " الكره " و " الخوف" و " الذنب " و " الغضب" و " الحزن" و " الحسد" و" الغيرة" على أنها سلبية.. ويقرر الكاتب إن هوس إطلاق صفة " سلبي" منهج يزودك بمخرج كيلا تسمي المشاعر التي تهدد كثيراً شعورك بنفسك بأسمائها. لكن وصف هذه المشاعر بالسلبية يحجب عنا رؤية وظائفها المنذرة الوقائية العميقة. ويقرر الكاتب أن تعبير المشاعر الوقائية أفضل من المشاعر السلبية، فالناس لقد وقعوا في شرك دائري، بكراهيتهم ذات المشاعر التي وجدت لتقودهم نحو النضج..
ومن المشاعر الوقائية بحسب المؤلف: الشعور بالذنب وقاية – والغضب وقاية – والغيظ وقاية- الإحباط وقاية- وعدم الرضى وقاية- والحزن وقاية – والغيرة وقاية.. .الخ فالمشاعر هي أولى وسائل الوقاية وأكثرها قدرة، وهي تنذرك عندما تكون هشاً. ولكن هناك بعض المشاعر السابقة للشعور، تعمل تحت سطح وعيك الشعوري، هذه المشاعر تحث فقط مشاعرك الواعية الشعورية، ولكنها هي مصدر تفكيرك الوقائي، وأعمالك الوقائية، وهي تبقى في المستوى السابق للشعور إلى أن تصبح أنت مستعداً لمواجهة هشاشتك الدفينة ..
وفي الفصل السادس: يتناول الكاتب قدرة العمل " السلبي" حيث يقول إن العمل السلبي كما هو الأمر في التفكير الوقائي، يؤدي وظيفة مضاعفة: وظيفة الوقاية، ووظيفة التنبيه إلى حاجة حل الصراعات العاطفية الدفينة.. فالعمل السلبي دائما على صواب من الناحية النفسية، بسبب هاتين الوظيفتين الوقائية والمنذرة..
يوصف سلوك العدوان والتحكم بأنهما سلوكان نموذجان للأعمال السلبية أو غير التكيفية، ويظن الناس غالباً أن وظيفتهما السيطرة على الشخص الآخر. ولكن الأمر غير ذلك، لأن الشخص الذي يستعمل العدوان وسيلة لتحقيق مأربه، يكمن في أعماق نفسه عدم أمان عاطفي، وعنده قناعة داخلية بعدم قيمته، وهو يشعر أن الطريقة الوحيدة ليجعل أحداً يرتبط به، هي طريقة السيطرة.
وللعدوان وظيفة أخرى، وهي أنها تدفع عنك كل المسؤولية، وتسقطها على الشخص الآخر. كلتا الوظيفتين تقيك من أن تنظر إلى هشاشتك الذاتية...
وفي لفصل السابع: يسلط الكاتب الضوء على ظاهرة " الكرب والمرض" فالجسم دائماً على صواب، عندما يكشف أحد الأعراض الجسمية عن مرض عضوي أساسي يقبل الناس دون صعوبة تذكر أن الجسم على صواب فإن عليه طلب مساعدة طبية ويزوده بالوسائل كي يستطيع الطب تشخيص مشكلته ومع ذلك تأتي البراهين في الطب الجسمي النفسي " السيكوباتي " بأن نسبة مئوية عالية من الأعراض الجسمية هي عاطفية أو اجتماعية في الأصل، لأن النفس تريد أن تخاطر بصحة الجسم كي تحمي الصحة العاطفية.. الجسم إذاً على صواب لا لأنه يستطيع أن يكشف عن الجروح العاطفية والاجتماعية التي تحتاج للشفاء فقط، بل لأنه يعمل واقياً..
أما الفصل الثامن: فقد جاء تحت عنوان " حقق قدرتك" وفيه يثبت الكاتب إيمانه بالقدرة اللامحدودة للنفس البشرية ويقول: " إن العلم أثبت أننا نستخدم فقط 2 بالمئة من خلايانا الدماغية.. والقول عن أي كائن إنساني أنه " غبي" أو " أحمق" أو " بطيء" قول غير دقيق إلى درجة كبيرة ومخرب للإمكانيات ذلك الشخص.. قد يكون صحيحاً أن نقول إن بعض الأفراد ربما ينقصهم بعض المعرفة والمهارات، ربما تأتي من خلفيات اجتماعية وسياسية متأخرة، لكن هذا ببساطة وصف للظروف ولا يقول شيئاً عن القوى الكامنة الإنسانية العريضة للتعلم ولخلق عالم يتيح النمو والتطور.
إن تحقيق القدرة الكامنة العظيمة للنفس الإنسانية في النمو وضع الجيد من الأمور، أمر تحدده البيئة التي ولد فيها الإنسان، ولا شك أن بوسع الناس النهوض فوق الظروف المحيطة بهم من خلال العلاقات السعيدة المحظوظة والثروة والصحة والعلاقات النفسية والاجتماعية ولكن لم تقدم هذه " المحررات " المذكورة جواباً كاملا..
تريد الكائنات الإنسانية دائماً أن تحقق كمونها ولكن بصرف معظم الطاقة الإنسانية والإبداع لوقاية النفس، ولوقاية الأخرين من عودة تجارب الألم والرفض والإهمال. وكلما دفع الأفراد نحو الوقاية العاطفية والاجتماعية والسياسية، قلت الفرص أمامهم لاستعمال قدرة النفس على النمو، حيث تتكلم المشاعر والأعمال دائماً بصوت أعلى من كلمات الأفكار.
الفصل التاسع: فقد كرسه الباحث "لقدرة الأمان" حيث أشار إلى أن العالم غالباً ليس بالمكان الآمن، وأنه إذا لم يوجد الأمان فإن الإنسان لا يستطيع أن يتحرك بكليته نحو تحقيق الذات، وفي غياب الأمان لن تنضج بالطبع تلك الإجراءات عند البالغ أو عند الطفل الذي عانى من التجريح والتهديد.. أما بقية النفس فقد تنمو وتنضج، ولكن يحيط بالجزء الجريح منها حسأة متصلة من عواطف وإدراك وأعمال وأعراض كرب وربما أمراض وقائية فلا تدع له سبيلا للشفاء.. وركز المؤلف في هذا الفصل على تحري كيف يمكن خلق الأمان، كي يتم شفاء هذه الإجراءات المعوقة في النفس، فتختصر رحلتها باتجاه النضج.
وتناول الفصل العاشر: قضية الشفاء والتحرك قدماً، حيث يوفر خلق الأمان الشخصي والأمان بين الأشخاص، وعند الضرورة الأمان العلاجي أساساً للنفس كي تختصر رحلتها بالتجاه النضج في تلك المواطن الجريحة في العيش، وما أن يحل الأمان حتى يكون بوسع أعمال الشفاء أن تبدأ لتتجه إلى المناطق المعوقة عن النمو.
ويقول المؤلف بأن الشخص – أي شخص- ليس آلة ضحية الوراثة والبيولوجيا والتكيف الاجتماعي أو الصراعات تحت الشعور بل هو كائن قوي، عندما يتحرر من اضطراره إلى وقاية نفسه في عالم غير آمن ..يستطيع أن يستعمل القدرات ذاتها ليسرع حركته باتجاه تحقيق ذاته، ليس نقص القدرة هو الذي يمنع التغير، ولكن نقص الأمان ..
الفصل الحادي عشر والأخير: استعرض فيه الكاتب الشفاء ونماذج من قصص زبائنه المرضى وجوهر صراعهم وخرائط لجميع تجاربهم العاطفية والاجتماعية والجنسية والتربوية والسياسية والجسمية والوظيفية والروحية التي أوصلتهم إلى المكان المضطرب الذي يعيشون فيه الآن.. ولفت الكاتب أن المرضى لن يكشفوا قصصهم لعقولهم الشعورية، ولا للآخرين من قرناء وأصدقاء ومعالجين إلا حيث يشعرون بالأمان.. فإحداث الأمان هو اهم واجب أمام المعالج.
وينهي الكاتب كتابه هذا بقوله: " اعتقد أن أهم رحلة في الحياة هي الرحلة إلى داخل النفس والطريق فيها أقل سلوكاً، ولا تؤدي رحلة الشفاء والسير قدماً، إلى حياة خالية من الألم العاطفي والجسدي ولكنها تقود إلى الأمان والنضج، بحيث يمكن أن تنحل الألآم والنزعات التي تنشأ وتصبح مناسبات لنمو أفضل.