الأساس الأخلاقي للفكر الإداري الحديث
الأساس الأخلاقي للفكر الإداري الحديث
يلاحظ الناظر في تطور الفكر الإداري الحديث أن الاهتمام علماً وتطبيقاً كان منصباً من أجل زيادة الكفاءة العملية للمنظمة لزيادة إنتاجيتها وتعظيم الربح، ولا يوجد اهتمام يذكر بأخلاقيات الإدارة، بل هنالك فهم خاطئ يكرس إلى تناقض بين كفاءة المنظمة وبين التزامها بالأخلاق الفضلى والقيم المثلي(<1>).
ففي بداية الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر دعا آدم سمث A.. Smith رائد الفكر الاقتصادي الحديث في كتابة البحث في أسباب وطبيعة ثروة الأمم إلى المنافسة الحرة لمنظمات الأعمال، وهي تسعى إلى تعظيم الربح حتى تحقق منافع الجميع، وأكد على أن للشركة هدف رئيس هو أن تبقى كمنشئ للثروة Original Of Wealth لتنتج السلع المادية وتجلبها إلى السوق وتحمي رأس المال وتعظم الربح.
أدت حرية الأعمال هذه في سعيها المحموم من أجل الربح على حساب العمال إلى حدوث مشكلة اجتماعية وأخلاقية في الممارسات اللاأخلاقية في المصانع من قهر وظلم واستغلال الأطفال، وسوء معاملة النساء العاملات، وسوء أوضاع العاملين والعمل على حد سواء.
حاول رواد الإدارة العلمية في القرن العشرين تقديم معالجة فنية هندسية للآثار السالبة للممارسات اللاأخلاقية والآثار البغيضة التي كانت شائعة في الأعمال والمصانع إلا أن الوعي بالمشكل الأخلاقي في الإدارة ما زال مبكراً، إذ أن الرؤية الهندسية التي يقدمها رواد الإدارة العلمية تقوم على أن الشركة هي (آلة الربح) وأن الطريقة الوحيدة المثلي One best way التي أكد عليها تايلور Taylor رائد الإدارة العلمية، وجعلها هدفاً لإنجاز كل عمل هي طريقة لا تتسم إلا بالكفاءة. وكانت تهدف إلى الحد من تدخل الإنسان وقيمه ومعاييره الخاصة في العمل لكي يكون أكثر كفاءة مما أدى إلى فشل منظمات الأعمال في مراعاة مصالح المجتمع، وقاد إلى ظهور القانون الحديدي للمسئولية Iron Law Of Responsibility الذي يرى من الضروري على سلطات المجتمع فرض مصالح المجتمع بقوة القانون إذا لم ترعها منظمات الأعمال.
هذه المسئولية الاجتماعية كانت تحمل بعداً أخلاقياً ضمنياً من أجل مراعاة التوازن بين الأنانية Egoism أي المصلحة الذاتية القصوى لمنظمات الأعمال في تعظيم الربح والإيثار Altruism أي مصالح المجتمع القصوى وقد أخذ هذا البعد الأخلاقي يتطور كاتجاه متميز عن المسئولية الاجتماعية، وبعداً مكملاً لها ومؤثراً عليها، ولأخلاقيات الإدارة في منظمات الأعمال الحديثة.
إلا أن الرؤية المادية لا تزال تتفق في أخلاقيات الإدارة ومسئولياتها الاجتماعية مع النموذج الاقتصادي للمشروع الخاص الذي عبّر عنه حديثاً ميلتون فريدمان M. Friedman في كتابه الرأسمالية والحرية، حيث اعتبر أن الدوافع الاقتصادية هي أساس العمل في المشروع الخاص (وأن الوظيفة الأساسية هي تعظيم الربح لصالح حملة الأسهم، أما المسئولية الاجتماعية فإنها ترتبط بدوافع غير اقتصادية، وأنها ليست من طبيعة المشروع الخاص)(<2>). وهكذا يسيطر الهاجس المادي - تعظيم الربح – على الفكر الإداري الحديث، ساعياً إلى الفصل بين القيم الاقتصادية والقيم الأخلاقية، وبالتالي لتأسيس فهم للتناقض بين كفاءة المنظمة والتزامها الأخلاق المثلى والقيم العليا.
وفي تأكيد لرؤية المشروع الخاص يقول بيتر دراكر (إننا لو عهدنا إلى ملائكة كبار بإدارة الأعمال، وهم بطبيعتهم لا يبالون بشدة بدوافع الربح، لتمنوا أن يحققوا ربحاً، وأن يعنوا بالربحية بتلهف ومواظبة وإخلاص)(<3>).
وهكذا يسيطر الاتجاه المادي على الفكر الإداري الحديث ومنظماته، متجاهلاً دور القيم والمثل العليا في بناء النظم الإدارية، الأمر الذي أدى إلى الانحراف الإداري في منظمات اليوم رغم التطور العلمي السائد والرفاه الاجتماعي الذي استطاعت تحقيقه.
<1> - جمال البنا ود حسن العناني، الحل الإسلامي لأزمة الإدارة (القاهرة: المعهد الدولي للاقتصاد الإسلامي، 1982) ص51.
<2> - الهادي عبد الصمد، الإنسان والتنظيم دراسة نقدية للفكر الإداري العربي من منظور إسلامي، العين 1992، ص465.
-<3> أحمد إبراهيم أبو سن، الإدارة في الإسلام (الخرطوم، دار الثقافة للطباعة والنشر) 1993م.